فصل: تفسير الآيات (11- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التسهيل لعلوم التنزيل



.سورة المعارج:

.تفسير الآيات (1- 3):

{سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3)}
{سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ} من قرأ سأل بالهمز احتمل معنيين؛ أحدها: أن يكون بمعنى الدعاء، أي دعا داع بعذاب واقع، وقد تكون الإشارة إلى قول الكفار: {أمطر علينا حجارة من السماء}، وكان الذي قالها النضر بن الحارث، والآخر أن يكون بمعنى الاستخبار، أي سأل سائل عن عذاب واقع، والباء على هذا بمعنى عن، وتكون الإشارة إلى قوله: {متى هذا الوعد} [يونس: 48]؟ وغير ذلك، وأما من قرأ سال بغير همز فيحتمل وجهين؛ أحدهما: أن يكون مخففاً من المهموز، فيكون فيه المعنيان المذكوران، والثاني أن يكون من سال السيل إذا جرى، ويؤيد ذلك قراءة ابن عباس: سال سيل، وتكون الباء على هذا كقولك ذهبت بزيد، وإذا كان من السيل احتمل وجهين: أحدهما أن يكون شبَّه العذاب في شدته وسرعة وقوعه بالسيل، وثانيهما: أن تكون حقيقة، قال زيد بن ثابت: في جهنم واد يقال له سائل، فتلخص من هذا أن في القراءة بالهمز يحتمل معنيين وفي القراءة بغير همز أربعة معان {لِّلْكَافِرِينَ} يحتمل أن يتعلق بواقع وتكون اللام بمعنى على، أو تكون صفة للعذاب، أو يتعلق بسأل إذا كانت بمعنى دعا، أي دعا للكافرين بعذاب، أو تكون مستأنفاً كأنه قال: هو للكافرين {مِّنَ الله} يحتمل أن يتعلق بواقع أي واقع من عند الله، أو بدافع أي ليس له دافع من عند الله، أو يكون صفة للعذاب أو متسأنفاً {ذِي المعارج} جمع معرج وهو المصعد إلى علو كالسلم، والمدارج التي يُرتقى بها، قال ابن عطية: هي هنا مستعارة في الفضائل والصفات الحميدة، وقيل: هي المراقي إلى السماء، وهذا أظهر لأنه فسرها بما بعدها من عروج الملائكة.

.تفسير الآية رقم (4):

{تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)}
{والروح إِلَيْهِ} إي إلى عرشه، ومن حيث تهبط أوامره وقضاياه، فالعروج هو من الأرض إلى العرش، والروح هنا جبريل عليه السلام بدليل قوله: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين * على قَلْبِكَ} [الشعراء: 193-194] وقيل: الروح الملائكة حفظة على الملائكة، وهذا ضعيف مفتقر إلى صحة نقل. وقيل: الروح جنس أرواح الناس وغيرهم {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} اختلف في هذا اليوم على قولين: أحدهما أنه يوم القيامة، والآخر: أنه في الدنيا. والصحيح أنه يوم القيامة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث مانع الزكاة: «ما ممن صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي زكاتها إلا صفحت له صفائح من نار يكوى بها جبينه وجنبه وظهره في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد» يعني يوم القيامة، ثم اختلف: هل مقداره خمسون ألف سنة حقيقة؟ وهذا هو الأظهر، أو هل وصف بذلك لشدة أهواله؟ كما يقال: يوم طويل إذا كان فيه مصائب وهموم، وإذا قلنا إنه في الدنيا فالمعنى أن الملائكة والروح يعرجون في يوم لو عرج فيه الناس لعرجوا في خمسين ألف سنة، وقيل: الخمسون ألف سنة هي مدة الدنيا، والملائكة تعرج وتنزل في هذه المدة، وهذا كله على أن يكون قوله: في يوم يتعلق بتعرج ويحتمل أن يكون {في يوم} صفة للعذاب، فيتعين أن يكون اليوم يوم القيامة والمعنى على هذا مستقيم.

.تفسير الآيات (5- 10):

{فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7) يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ (8) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10)}
{فاصبر} هذا متصل بما قبله من العذاب وغيره، أي: اصبر على أقوال الكافرين حتى يأتيهم العذاب، ولذلك وصفه بالقرب مبالغة في تسلية النبي صلى الله عليه وسلم {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} يحتمل أن يعود الضمير على العذاب، أو على اليوم الذي مقداره خمسن ألف سنة، والبعيد يحتمل أن يراد به بعد الزمان أو بعد الإمكان، وكذلك القرب يحتمل أن يراد به قرب الزمان لأن كل آت قريب، ولأن الساعة قد قربت، وقرب الإمكان لقدرة الله عليه {يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل} يوم هنا بدل من؛ يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، أو بدل من الضمير المنصوب في {نراه} أو منصوب بقوله: قريباً، أو بقوله: {يَوَدُّ المجرم} [المعارج: 11]، أو بفعل مضمر تقديره: أذكر. والمهل: هو دُردي الزيت شبه السماء به في سوادها وانكدار أنوارها يوم القيامة، وقيل: هو ما أذيب من الفضة ونحوها، شبَّه السماء به في تلوُّنه {وَتَكُونُ الجبال كالعهن} العِهن هو الصوف، شبّه الجبال به في انتفاشه وتخلخل أجزائه وقيل: هو الصوف المصبوغ ألواناً فكيون التشبيه في الانتفاش، وفي اختلاف الألوان، لأن الجبال منها بيض وسود وحمر {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} الحميم هنا الصديق والمعنى لا يسأل أحد من حميمه نصرة ولا إعانة؛ لعلمه أنه لا يقدر له على شيء، وقيل: لا يسأله عن حاله لأن كل أحد مشغول بنفسه.

.تفسير الآيات (11- 18):

{يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ (14) كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)}
{يُبَصَّرُونَهُمْ} يقال: بصر الرجل بالرجل إذا رآه، وبصَّرته إياه بالتشديد إذا أريته إياه، والضميران يعودان على الحميمين لأنهما في معنى الجمع، والمعنى أن كل حميم يبصر حميمه يوم القيامة فيراه ولكنه لا يسأله {وَصَاحِبَتِهِ} يعني امرأته {وَفَصِيلَتِهِ} يعني القرابة الأقربين {تُؤْوِيهِ} أي تضمه، فيحتمل أن يريد تضمه في الانتماء إليها أو في نصرته وحفظه من المضرات {ثُمَّ يُنجِيهِ} الفاعل الافتداء الذي يقتضيه لو يفتدي، وهذا الفعل معطوف على {لَوْ يَفْتَدِي} وإنما عطفه بثم إشعاراً ببعد النجاة وامتناعها، ولذلك زجره عن ذلك بقوله: {كَلاَّ إِنَّهَا لظى} الضمير للنار لأن العذاب يدل عليها، ويحتمل أن يكون ضمير القصة وفسره بالخبر ولظي علم لجهنم مشتق من اللظى بمعنى اللهب {نَزَّاعَةً للشوى} الشوى أطراف الجسد، وقيل: جلد الرأس، فالمعنى أن النار تنزعها ثم تعود، ونزاعة بالرفع بدل من لظى، أو خبر ابتداء مضمر، أوخبر لإنها إن جعلنا لظى منصوباً على التخصيص، أو بدل من الضمير، أو خبر ثاني لإنها إن جعلنا لظى خبر لها، ونزاعةً بالنصب حال {تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وتولى} يعني الكفار الذين تولوا عن الإسلام، ودعاؤها لهم عبارة عن أخذها لهم، وقال ابن عباس: تدعوهم حقيقة بأسمائهم وأسماء آبائهم، وقيل: معناه تهلك، حكاه الخليل عن العرب {وَجَمَعَ فأوعى} يقال: أوعيت المال وغيره إذا جمعته في وعاء، فالمعنى جمع المال وجعله في وعاء، وهذه إشارة إلى قوم من إغنياء الكفار جمعوا المال من غير حله ومنعوه من حقه.

.تفسير الآيات (19- 24):

{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24)}
{إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعاً} الإنسان هنا اسم جنس بدليل الاستثناء منه، سئل أحمد بن يحيى مؤلف الفصيح، عن الهلوع فقال: قد فسره الله فلا تفسيراً أَبْيَنَ من تفسيره وهو قوله: {إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعاً} وذكره الله على وجه الذم لهذه الخلائق، ولذلك استثنى منه المصلين، لأن صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون من شرها ولا يبخلون بخيرها {الذين هُمْ على صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ} الدوام عليها هو المواظبة بطول العمر، والمحافظة عليها المذكورة بعد ذلك هي أداؤها في أوقاتها وتوفية الطهارة لها {حَقٌّ مَّعْلُومٌ} قد ذكرنا في [الذاريات: 19] معنى حق والسائل والمحروم، ووصفه هنا بالملعوم؛ إن أراد الزكاة فهي معلومة المقدار شرعاً، وإن أراد غيرها فمعنى المعلوم؛ أن العبد يجعل على نفسه وظيفة معلومة عنده.

.تفسير الآية رقم (28):

{إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28)}
{غَيْرُ مَأْمُونٍ} أي لا يكون أحد آمناً منه فإن الأمن من عذا الله حرام، فلا ينبغي للعبد أن يزيل عنه الخوف حتى يدخل الجنة.

.تفسير الآيات (32- 33):

{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (32) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (33)}
{لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ} ذكر في [المؤمنين: 8] وكذلك لفروجهم حافظون {وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِم قَائِمُونَ} قال ابن عباس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وقال الجمهور: يعني الشهادة عند الحكام، ثم اختلف على هذا في معنى القيام بها؟ فقيل: هو التحقيق لها كقوله صلى الله عليه وسلم: «على مثل الشمس فاشهدوا». وقيل: هو المبادرة إلى أدائها من غير امتناع، فأما إن دعي الشاهد إلى الأداء فهو واجب عليه، وأما إذا لم يدع إلى الأداء فالشهادة على ثلاثة أقسام: أحدها: حقوق الناس، فلا يجوز أداؤها حتى يدعوه صاحب الحق إلى ذلك، والثاني: حقوق الله التي يستدام فيها التحريم كالطلاق والعتق والأحباس، فيجب أداء الشهادة بذلك دعي أو لم يدع، الثالث: حقوق الله لا يستدام فيها التحريم كالحدود، فهذا ينبغي ستره، حتى يدعى إليه.

.تفسير الآيات (36- 39):

{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39)}
{فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ} أي مسرعين مقبلين إليك بأبصارهم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل، الكفار ينظرون إليه ويستمعون قراءته، ومعنى قبلك في جهتك وما يليك {عِزِينَ} أي جماعات شتى وهو جمع عزة بتخفيف الزاي وأصل عزوة، وقيل عزهة ثم حذفت لامها وجمعت بالواو والنون عوضاً من اللام المحذوفة {أَيَطْمَعُ كُلُّ امرىء مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ} كانوا يقولون إن كان ثم جنة فنحن أهلها {كَلاَّ} ردع لهم عما طمعوا فيه من دخول الجنة {إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ} كناية عن المنيّ الذي خلق الإنسان منه، وفي المقصود بهذا الكلام ثلاثة أوجه؛ أحدها: تحقير الإنسان والردّ على المتكبرين. الثاني: الردّ على الكفار في طمعهم أن يدخلوا الجنة كأنه يقول: إنا خلقناكم مما خلقنا منه الناس، فلا يدخل أحد الجنة إلا بالعمل الصالح؛ لأنكم سواء في الخلقة، الثالث: الاحتجاج على البعث بأن الله خلقهم من ماء مهين، فهو قادر على أن يعيدهم كقوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى} [القيامة: 37] إلى آخر السورة.

.تفسير الآيات (40- 43):

{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (43)}
{فَلاَ أُقْسِمُ} معناه أقسم، ولا زائدة {بِرَبِّ المشارق والمغارب} ذكر في [الصافات: 5] {إِنَّا لَقَادِرُونَ * على أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ} تهديد الكفار بإهلاكهم، وإبدال خير منهم {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أي مغلوبين، والمعنى: إنا لا نعجز عن التبديل المذكور أو عن البعث {فَذَرْهُمْ} وعيد لهم، وفيه مهادنة منسوخة بالسيف {يَوْمَهُمُ الذي يُوعَدُونَ} يعني يوم القيامة، بدليل أنه أبدل منه {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} وهي القبور {كَأَنَّهُمْ إلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} النَصْب الأصنام، وأصله كل ما نصب إلى الإنسان، فهو يقصد إليه مسرعاً من عَلَم أو بناء أو غير ذلك، وفي لغات فتح النون وإسكان الصاد، وضم النون وإسكان الصاد وضمها، ويوفضون معناه: يسرعون، والمعنى أنهم يسرعون الخروج من القبور إلى المحشر، كما يسرعون المشي إلى أصنامهم في الدنيا.

.سورة نوح:

.تفسير الآيات (1- 4):

{إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (1) قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (2) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (4)}
{أَنْ أَنذِرْ} و{أَنِ اعبدوا} يحتمل أن تكون أن مفسرة أو مصدرية على تقدير بأن أنذر وبأن اعبدوا والأول أظهر {عَذَابٌ أَلِيمٌ} يحتمل أن يريد عذاب الآخرة أو الغرق الذي أصابهم {يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ} من هنا للتبعيض أي يغفر لكم ما فعلتم من الذنوب قبل أن تسلموا؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبله، ولم يضمن أن يغفر لهم ما بعد إسلامهم، لأن ذلك في مشيئة الله تعالى، وقيل: إن من هنا زائدة ذلك وباطل لأن من لا تزاد عنه سيبويه إلا في غير الواجب. وقيل: هي لبيان الجنس، وقيل: لابتداء الغاية، وهذان قولان ضعيفان في المعنى، والأول هو الصحيح لأن التبعيض فيه متجه {وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} ظاهر هذا يقتضي أنهم إن فعلوا ما أمروا به أخروا إلى أجل مسمى؛ وإن لم يفعلوا لم يؤخروا، وذلك يقتضي القول بالأجلين. وهو مذهب المعتزلة، وعلى هذا حملها الزمخشري، وأما على مذهب أهل السنة، فهي من المشكلات، وتأولها ابن عطية فقال: ليس للمعتزلة في الآية مجال لأن المعنى أن نوحاً عليه الصلاة والسلام لم يعلم هل هم ممن يؤخر أو ممن يعاجل؟ ولا قال لهم: إنكم تؤخرون عن أن أجل قد حان. لكن قد سبق في الأزل إما ممن قضى له بالإيمان والتأخير أو ممن قضى له بالكفر والمعالجة. وكان نوحاً عليه السلام قال لهم: آمنوا يظهر في الوجود أنكم ممن قضى له بالإيمان والتأخير. وإن بقيتم على كفركم يظهر في الوجود أنكم ممن قضى عليه بالكفر والمعالجة، فكان الاحتمال الذي يقتضيه ظاهر الآية إنما هو فيما يبرزه الغيب من حالهم؛ إذ يمكن أن يبرز إما الإيمان والتأخير، وإما الكفر والمعالجة، وأما عند الله فالحال الذي يكون منهم معلوم مقدر محتوم، وأجلهم كذلك معلوم قدر محتوم.
{إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ} هذا يقتضي أن الأجل محتوم كما قال تعالى: {إِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49] وفي هذا حجة لأهل السنة وتقوية للتأويل الذي ذكرنا، وفيه أيضاً رد على المعتزلة في قولهم بالأجلين، ولما كان كذلك قال الزمخشري: إن ظاهر مناقض لما قبله من الوعد بالتأخير إن آمنوا، وتأول ذلك على مقتضى مذهبه بأن الأجل الذي لا يؤخر هو الأجل الثاني. وذلك أن قوم نوح قضى الله أنهم إن آمنوا عمرهم الله مثلاً ألف عام، وإن لم يؤمنوا عمرهم تسعمائة عام فالألف عام هي التي تؤخر إذا جاءت والتسعمائة عام هي التي وعدوا بالتأخير عنها إلى الألف عام إن آمنوا.

.تفسير الآيات (7- 9):

{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9)}
{دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} أي دعوتهم ليؤمنوا فتغفر لهم، فذكر المغفرة التي هي سبب عن الإيمان؛ ليظهر قبح إعراضهم عنه؛ فإنهم أعرضوا عن سعادتهم {جعلوا أَصَابِعَهُمْ في آذَانِهِمْ} فعلوا ذلك لئلا يسمعوا كلامه، فيحتمل أنهم فعلوا ذلك حقيقة أو يكون عبارة عن إفراط إعراضهم حتى كأنهم فعلوا ذلك {واستغشوا ثِيَابَهُمْ} أي جعلوها غشاوة عليهم لئلا يسمعوا كلامه، أو لئلا يراهم، ويحتمل أنهم فعلوا ذلك حقيقة، أو يكون عبارة عن إعراضهم {وَأَصَرُّواْ} أي داوموا على كفرهم {دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} إعراب جهاراً مصدر من المعنى كقولك: قعد القرفصاء، أو صفة لمصدر محذوف تقديره: دعا جهاراً، أو مصدر في موضع الحال أي مجاهراً {ثُمَّ إني أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} ذكر أولاً أنه دعاهم بالليل والنهار، ثم ذكر أنه دعاهم جهاراً، ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار، وهذه غاية الجد في النصيحة وتبليغ الرسالة صلى الله عليهم وسلم، قال ابن عطية: الجهاد دعاؤهم في المحافل ومواضع اجتماعهم، والإسرار دعاء كل واحد على حدته.